عرض المقال
الحريرى والتنظيم الحديدى
2012-11-26 الأثنين
آه يا بلد.. أبوالعز الحريرى يُضرب بهذه الوحشية من الإخوان! ألف علامة تعجب لا بد أن تنفجر فى وجه كل من لا يعرف من هو أبوالعز الحريرى الذى تجرأ بعض البلطجية الذين لا يعرفون إلا السمع والطاعة، الفاشيين الذين لا حوار معهم لأنهم لايؤمنون أساساً بالحوار، تجرأوا وضربوا تاريخاً نضالياً يمشى على قدمين، تيقنت وتأكدت أن الثورة قد ماتت وشبعت موتاً عندما امتدت الأيدى التى كان لا بد أن تصافح أبطال وصناع الثورة لتجرح بمنتهى الدموية والعنف والانحطاط رجلاً لم يعشق إلا مصر، رجلاً لم يتنازل، رجلاً مظهره كمخبره ما زال يعيش فى شقة متواضعة فى الإسكندرية، ما زال يحمل روح الأفرول الأزرق حتى هذه اللحظة، هو المثقف العامل دودة الكتب الذى يجلس أمامه أصحاب الدكتوراهات ليتعلموا منه قراءة التاريخ وعلوم السياسة وأسس الفلسفة، عندما تصافحه تنقل إليك خشونة كفه روح الأمل وقيمة العمل، فى ظل وعز تشاؤمى المزمن واكتئابى المقيم أجده متفائلاً يشع صوته أملاً وثقة فى أن مصر لا يمكن أن تموت أو يحتلها البرابرة والهكسوس.
فى إجازات الصيف كنت أذهب وأنا طفل إلى دمياط حيث كان حشد كبير من الأقارب والجيران يعملون فى مصنع الغزل والنسيج هناك، كنت مبهوراً بشخصياتهم المقاتلة وأتعجب كيف يستطيعون التكيف مع نظام الوردية الذى كان يتقلب كل أسبوع قبل انهيار المصنع وتفككه وتحول طبقته العاملة إلى العمل إما فى السمسرة أو الموبيليا أو الاستثمار فى إنشاء المقاهى.. إلخ، كان منهم جار يحكى لى عن عامل اسمه أبوالعز الحريرى فى الإسكندرية فى نفس المهنة وعامل آخر اسمه عطية الصيرفى على ما أتذكر كان يعمل فى السكة الحديد فى الدقهلية، بدأت أنتبه إلى هذا الرجل الذى بهرنى فى برلمان 76 مع ممتاز نصار ومحمود القاضى وعمالقة هذا البرلمان الذى كان شوكة فى حلق نظام السادات الذى لم يسترح إلا بحله ثم اعتقال بعض رموزه ومنهم الحريرى فى اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وقف ضد كامب ديفيد ووقف ضد أحمد عز ورموز الحزب الوطنى وضد بيع القطاع العام وضد التوريث والتزوير ونهب البلد، حتى حزبه الذى بناه مع رفاق النضال اختلف معه ولم يهادن حين رأى من وجهة نظره أن هناك من يريد المهادنة مع النظام فكتب وانتقد وكان حاداً وواضحاً ولم يحتمل الحزب انتقاداته.
هذا هو أبوالعز الحريرى الذى غلبتنى دموعى وأنا أشاهد جراحه وكدماته وابتسامته الراضية بالقضاء والقدر وهو الذى كان ذاهباً حسب طلب رجال الأمن لإنقاذ مقر الإخوان من الحرق!! هذا القديس النبيل يسحل اليوم وتحطم سيارته وتهان زوجته السيدة العصامية المهذبة التى شاركته خطوات النضال والثورة واحتملت معه كل الآلام، ياله من مشهد عبثى فى أطول مسرحية عبثية هزلية تعيشها مصر.